حين تشرع في سياحة روحية في قلب القاهرة الفاطمية عبر ليلها الساحر، أو في نهارها المفعم بالحيوية والنشاط، لابد وأن تقودك قدماك ـ دونما تخطيط مسبق ـ ومن قبلهما روحك الي حي "الجمالية "، ذلك المكان الذي يجمع كل مواطن الأصالة، المتشح بعراقة الماضي ،الزاخر بالآثار الإسلامية، صاحب الطابع الشرقي الباعث علي البهجة عبر مئات الأزقة والحارات والدروب والعطوفات التي تتلوي في مرونة وانسيابية عجيبة حتي تنتهي بك إلي خان الخليلي في صفاء روحي غير منقطع النظير، لتشكل في النهاية لوحة بديعة قوامها الفطرة الطيبة والبراءة الفنية المذهلة لإنسان هذا المكان
هنا تتجلي السمات الدينية والفنية والملامح الخاصة بالمشربيات والمساجد القديمة بفنها وزخرفها الفاتن، والذي يتجلي علي مقام الحسين بجلاله المشهود كهالة نورانية خضراء ، وكلما اقتربت من جامع قلاوون وبيتي القاضي والسحيمي تحس بعراقة الماضي الجميل لكونها أبنية فريدة ونماذج لتطور العمارة الإسلامية من بداية العصر الفاطمي إلي العصر المملوكي، ووصولا إلي عصرنا الحديث.
الجمالية لايمكن تلخيصها في منطقة أو حي بل هي في الواقع تستحق أن يطلق عليها (مجمع تراث القاهرة)، ليس لأنها تضم الأزهر، وجامع الحاكم بأمر الله، والجامع الأقمر وغيرها من مساجد مصر الزاهرة، بل لأنها تحوي بين جنباتها أسوار القاهرة العريقة، وبواباتها العتيقة، ومدارسها الأيوبية والمملوكية، وخان الخليلي، والصاغة، والنحاسين، وفوق كل هذا بالطبع ذلك الامتداد التاريخي لشارع المعز لدين الله الفاطمي أطول شارع أثري في العالم (4800 متر)، وكلها تجسد عمق الحارة المصرية الخالصة التي صنعت عوالم وخيالات نجيب محفوظ الشعبية الساحرة التي أدهشت العالم وتوجت رأس الأديب المصري الكبيربجائزة نوبل.
حين تمر عابرا علي خان الخليلي وهو أمر لابد منه بالطبع لكونه أشهر سوق شرقية، وأشهر الأحياء الأثرية الإسلامية في القاهرة، وواحد من أعرق أسواق الشرق العربي الإسلامي، حيث يزيد عمره علي 600 عام ومازال معماره الأصيل باقيا علي حاله منذ عصر المماليك وحتي الآن،وسمي ـ الخان ـ وهي كلمة تركية وتعني الشارع الضيق المكتظ بالمحال الصغيرة ـ باسم منشئه الشريف الخليلي (الذي كان كبير التجار في عهد السلطان برقوق عام1400م)، تجد فيه كل الصناعات اليدوية العريقة كالحفر علي الخشب والأرابيسك والأعمال الفضية، وبالطبع منتجاته لها شهرة عالمية ، وحديثا أقيم في قلب الخان مقهي باسم الأديب العالمي نجيب محفوظ.
يقول نجيب محفوظ عن حي الجمالية. الذي يعد ملعب صباه ومسرحا لأهم أعماله والذي ولد وترعرع بين أحضانه: "إن هذا الحي التاريخي ببساطة، تخرج منه لترجع إليه،كأن هناك خيوطا غير مرئية تشدك إليه،، فهذا الحي هو مصر، تفوح منه رائحة التاريخ لتملأ أنفك". أما عن تسمية الحي بهذا الاسم فيرجع إلي بدر الدين الجمالي وزير الخليفة المستنصر
من الأماكن التي أسرت خيال وفكر وإبداع محفوظ حارة بيت القاضي وهي حارة متعرجة تصل ما بين شارعي بين القصرين وبيت القاضي أولها أمام حمام السلطان إينال والمدرسة الكاملية (مدرسة ومسجد السلطان الكامل) وآخرها يفضي إلي قسم الجمالية وبيت القاضي.
لكل ما مضي وأكثرتبقي الجمالية درة القاهرة الفاطمية بآثارها وطابعها المعماري ومساجدها وحواريها وأزقتها وأبوابها وأسوارها الفاطمية مصرية الهوي والهوية ومقصد الباحثين عن متعة روحية لاتنتهي في كنف سيد شهداء آل البيت
من كتابي الالكتروني ( قاهرة المعز)