في الماضي كان يقتصر الدخول من باب النصر على الجنود العائدين من الحروب رافعين رايات النصر، إلا أنه الآن وما إن تعبر «باب النصر» حتى تستشعر تاريخ المكان وتلاحقك عظمته في كل خطوة ستؤدي بك إلى دهاليز القاهرة الفاطمية..
من هذه البوابة العملاقة تتفرع عدة شوارع أشهرها «المعزّ لدين الله» الذي يعد أكبر متحف إسلامي مفتوح، يليه حي النحاسين الذي يمكن التعرف إليه قبل رؤيته من خلال أصوات المطارق، التي تنبعث من الورش المنتشرة فيه، والتي لا تكف عن الطرق من الصباح حتى المساء.. وكأنها في عزف مستمر على أسطح النحاس المختلفة..
يرجع سبب تسمية هذه المنطقة بحي النحاسين ، أن تجار النحاس منذ العصر الفاطمي كانوا يتمركزون فيه، لبيع وتصنيع أواني المطبخ والنجف وقدر الفول وصواني الطعام وأباريق المياه ومستلزمات المقاهي، والكثير من قطع الديكور المتنوعة ذات الاستخدامات المتعددة في القصور والبيوت ودور العبادة..
على الرغم من الأهمية الفنية والجمالية لوجود هذه المهنة ،فإنها تراجعت نتيجة اختلاف نمط حياة المصريين، الذين أصبحوا يعتبرون المصنوعات النحاسية لا تعدو كونها قطعا فنية للزينة، حيث كانت قديما تحرص الفتاة على أن يكون أغلب جهاز عرسها، من أواني المطبخ واحتياجات المنزل من النحاس الأصفر، لكي تتباهى به أمام أهل الزوج..
يضم حي النحاسين عدة أماكن أثرية رائعة قد لا يعرفها كثيرون، مثل مدرسة النحاسين، التي سميت على اسم الشارع لشهرته في مصر المحروسة وقتها، وإلى غرب الشارع تقع المدرسة الكمالية التي بناها السلطان الكامل عام 622هـ، وكانت تعد المدرسة الثانية لتدريس الحديث بعد المدرسة التي أنشأها الملك العادل نور الدين زنكي في دمشق، وكانت في القدم عبارة عن (بنايتين) بينهما صحن مكشوف، إلا أنها هدمت مع مرور الزمن ولم يبق منها إلا المبنى الغربي. وفي منتصف حي النحاسين يقع «سبيل محمد علي»، وقد أنشئ كصدقة على روح الخديو إسماعيل، وواجهته تعد تحفة فنية بلا منازع فهي مكونة من 4 أضلاع يغطي كلا منها شباك من النحاس المنقوش بدقة وحرفية عالية، أما الأضلاع فقد اكتست برخام المرمر المزركش ويعلو كل عمود لوحة منقوشة بالحروف التركية. .
مع أنه لا يوجد اليوم في حي النحاسين عدد الورش التي كانت موجودة في الماضي، إلا أن هذا العدد القليل المتبقي صامد ضد غزو الزمن ،وما زال يجود ويحسن في الصنعة حتى يظل محل إبهار الزائر المصري أو الأجنبي..