أغنية إرتبطت في وجداننا بالإحتفال بالمولد النبوي الشريف , أذكر في أيام طفولتي الأولي تلك العروسة المصنوعة من الحلاوة والمزينة بأوراق الكوروشيه الملون , والتي كانت هي هدية والدي لأختي الصغيرة كل عام مع قرب حلول المولد , في حين كانت هديتي هي حصان مصنوع من نفس مادة صنع العروسة ,والذين سيكون مآلهم بالنهاية هوعدة أطباق من "المهلبية " التي كانت أمي تعدها لنا مستخدمة لبقاياالعروسة و الحصان , والمتحطمين عادة بعد عدة أيام جراء سقوطهم أوارتطامهم بالأرض أثناء اللعب !!
عروسة وحصان وعلبة كبيرة الحجم , تحوي بداخلها قدراً لابأس به من حلوي السمسمية والحمصية والملبن ... ألخ .
كانت تلك هي مجموعة الإحتفال بالمولد النبوي الشريف , مجموعة لم يكن يتعدي ثمنها مجتمعة لخمسون جنيهاً في حينه !!
تذكرت ذلك الزمن الجميل حينما ساقتني قدماي بالأمس للمرور من أمام أحدأشهر محال بيع الحلوي بوسط القاهرة , والتي ذهلت عندما وقعت عيني علي ورقة الأسعار المرفقة بعلبة الحلوي ’ حيث تراوحت أسعارها ما بين ال400 وال700 جنيه للعلبة مع إختفاء كامل للعروسة والحصان من فوق رفوف العرض !!
40% هي نسبة الزيادة في الأسعار هذا العام مقارنة بأسعار العام الماضي حسب أحد صناع ذلك النوع من الحلوي , والذي أرجع السبب في تلك الزيادة إلي سببين أساسيين .
السبب الأول ـــ هو النقص الشديد في السكر والارتفاع المضطرد لسعره وهو الماده الأساسية للصناعة , والسبب الثاني ـــ هو زيادة أسعارالدولار ’ حيث أن 90%من مدخلات تلك الصناعة يتم استيراده من الخارج , بالتزامن مع حالة الإرتباك التي تشهدها كلاً من سوريا وتركيا , وهما البلدين المنتجين للمكسرات التي تدخل كعامل أساسي في صناعة الحلوي كالبندق والفستق , إلي جانب اللوز والذي يتم استيراده من أمريكا !!
علي أية حال ..
ليست حلاوة المولد سوي عادة مصرية إبتدعها الفاطميون إبان فترة حكمهم لمصر ,فلا هي شعيرة دينية ولا أمر إلهي لايمكننا غير الإمتثال إليه , تماماً كالكنافة في رمضان , والتي لايبطل عدم تناولها للصيام !!
حتي في عهد الرسول الكريم ( ص ) لم يحتفل المسلمون بيوم ميلاده بتوزيع الحلوي ....
بل أن عروسة المولد نفسها لم يكن ظهورها سوي رغبة لدي الحاكم بأمر الله في إظهار مشاعره التي تأججت باتجاه إحدي زوجاته التي أحبها كثيراً , علي أثر ذلك الحب قام بإصدار أوامره إلي صناع الحلوي برسم زوجته هذه في قالب من السكر علي شكل عروسة وصبها وتوزيعها علي المصريين عقب الموائد , التي كانت تقام عادة في المناسبات الدينية , أراد الرجل تخليد تلك الزوجة الأثيرة إلي قلبه , لكن .. ولأن تملق الحكام عادة قديمة لدينا , قام أولئك الصناع برسم الحاكم بأمر الله في قالب آخر وقاموا بصبه وتوزيعه , ليرتبط الإحتفال بالمولد النبوي في مصر بالعروسة والحصان الذي يمتطيه الفارس الذي لم يكن غير الحاكم ذاته .
والذين نتسأئل عن سر غيابهما عن المشهد عاماً بعد الآخر .
وأخيراً نقول ...
بعد الزيادة المفزعة في أسعار حلوي المولدالنبوي هذا العام .. هل سيقوم علماء الدين بتوجيه المصريين إلي عدم شراء الحلوي أو الإقتصاد في شرائها, واحياء ذلك اليوم بالصيام إتباع لسنة رسول الله ( ص ) كما فعلوا من قبل حين وجهوا بترشيد العُمرة وعدم تكرار الحج نظراً لإرتفاع سعرالدولار ؟؟
فليتهم يفعلون .