لست أدري علي وجه اليقين .. هل هو الحنين إلي الماضي أو "النوستالجيا" كما يطلق عليهأ أهل علم النفس والإجتماع , أم أنه الهروب من الواقع المؤلم المعاش كان هو الدافع وراء عودة المشاهدين للإلتفاف من جديد حول شاشة التلفاز...
ففي وسط هذا القدر من الضجيج والصخب الإعلامي , ومن بين مئات القنوات التي إكتظ بها قمر مصر الإصطناعي ( النايل سات ) والتي تسابقت وتبارت فيما بينها وبذل أصحابها و العاملين فيها كل ما لديهم من جهد من أجل تأمين مكان لهم فوق مائدة المشاهدة التليفزيونية , خرجت للنور وليدة إعلام الدولة الجديدة " ماسبيرو زمان " لتغرد خارج السرب كآخر عنقود كرمة الفضائيات التابعة للإعلام الحكومي .
أتت إلينا بخطوات حانية وكأنها فتاة رقيقة تحمل قنديلاً من النور في آخر النفق المظلم العميق , وكنا قد اقتربنا من فقدان الأمل في إنصلاح حال الإعلام المصري بأكمله بعد أن عمت به البلوي في السنوات الأخيرة , وإن اختلفت أشكال الإبتلاءات التي لم ينجُ منها إعلامنا , العام منه أوالخاص علي حدٍ سواء .
فبينما انقسم القائمون علي القنوات الخاصة من مقدمي البرامج والضيوف إلي فريقين شديدي التناقض والخلاف والإختلاف , فريق لا ينظر إلي الحياة علي أرض مصر إلا من خلف نظارة سوداء شديدة القتامة ,لا يكف عن توجيه سهام إنتقاده إلي الجميع كبيرهم قبل الصغير , بينما اكتفي الفريق الآخر بالتطبيل والتهليل لكل قرار أو كلمة أو هفوة أو ايمائة تصدر عن أولئك الذين هاجمهم الفريق الأول , في حين ظل إعلام الدولة الرسمي واقفاً في مكانه الذي لم يبرحه منذ عشرات السنين , دون أي محاولة منه للتطور والتطوير لمسايرة الواقع الجديد , والذي بات يتغير يوماً تلو الآخر .
وما بين هذين الفريقين لم يجد المشاهد الغلبان ملجأً يفر إليه من وصلات الردح الإعلامي وصداع التطبيل اليومي , وما تبثه علينا قنوات العمالة والخيانة من برامج تذيب السم في العسل لمجموعة من الهاربين الذين حُرموا من حضن وطنهم بإرادتهم الكاملة , واختاروا الإرتماء في أحضان أعداء ذلك الوطن , الذين استخدموهم كأبواق يسعون من خلالها إلي هدم دولتهم عبر سب رموزها بأصواتهم الناعقة تلك .. وهو ما لن يفلحوا فيه أبداً بعون الله .
لجأ المصريون إلي مشاهدة القنوات العربية , التي تقوم بعرض كل ما استطاعت الحصول عليه من أغاني وأفلام من كلاسيكيات الفن المصري القديم , وجد فيها المشاهد ضالته ليغسل عينه وأذنيه مما علق بهما من تلوث سمعي وبصري جراء ما يقذفه في وجوهنا ( أسطورة ) آخر الزمن من أفلام ومسلسلات قوامها الأساسي هوالعنف والبلطجة !!
علي أية حال ...
خرجت ماسبيرو زمان للنور لتذكرنا بزمن مصر الجميل ..
كبسة زر واحدة كفيلة بأن تعيدك عبر آلة الزمن إلي نصف قرن أو يزيد ...
أغاني ومسلسلات , أفلام وأقلام , لقاءات لكبار كتاب مصر وشعرائها الراحلين , اسكتشات فكاهية , برامج ومسابقات , خرجت ماسبيرو زمان وكأن إعلامنا قد أراد أن يقول للجميع قفوا إحتراماً للكبيرة مصـــــر .
طه حسين والعقاد , توفيق الحكيم ونجيب محفوظ , أنيس منصور وكمال الملاخ , سلوي حجازي وعصمت شفيق , أماني ناشد وليلي رستم , شكوكو وسيد الملاح , برامج طارق حبيب , محرم فؤاد وعبدالحليم , خضرة محمد خضر و محمد طه وفاطمة عيد, , مباريات الستينيات حيث عبده نصحي وصالح سليم , حديث الشعراوي و مصطفي محمود , عالم البحار و نور علي نور.... وقائمة طويلة من روائع التراث التليفزيوني الذي حُرمنا طويلاً منه بعد أن تحولت برامجنا ومسلسلاتنا إلي كوكتيل مقيت من الهزل والعنف والإسفاف , ما كان من شأنه أن تحول المشاهد المصري إلي متابعة مسلسلات مستوردة من الهند و تركيا, بعد أن كانت الشوارع العربية تخلوا تماماً من المارة وقت عرض مسلسلاتنا المصرية كرأفت الهجان وليالي الحلمية ومن قبلهم الشهد والدموع .
وأخيراً نقول ..
ماسبيرو زمان .... وفي القلب حنين إلي زمن الريادة الذي ولي , فنحن صنعناه ونحن به أولي