في كل يوم يمضي يظهر فيه دونالد ترامب بأقوال ارتجالية وسياسات تستند على القوة؛ وتنظر إليه في خطاباته وآخرها كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تراه وكأنه يتعامل مع رؤساء وملوك وقادة دول العالم على أنهم تلاميذ وطلاب وهو المعلم والمدير والقائد الذين يجب عليهم أن ينصاعوا إلى قراراته وتوجيهاته.
إنها حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن هذا الرجل لا يتعامل مع الدول الأخرى ورؤسائها من منطلق علاقات ثنائية وإنما من منطلق أنه يعلم وأنه رئيس لأكبر دولة في العالم وليس عليه سوى أن يملي قرارات وتوجيهات ويجب على الدول الأخرى أن تلتزم بهذه الرؤى وتدعمها وإلا تعرضت للنقد الشديد والعقاب اللاذع.
لقد رأينا هذا الرجل لا يعتد بأي من الاتفاقيات والمعاهدات والمقررات الدولية وينسحب من بعضها ويهاجم الأخرى ويساوم للحصول على أقصى المنافع والمزايا لدولته ويستعيد الأموال التي يراها لا تحقق نفع لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ويعدل من موازين التجارة العالمية لصالح بلاده ويوجه الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى ما فيه صالح بلاده؛ ويكفي القول بأنه أول رئيس ينفذ على أرض الواقع الاعتراف الأمريكي الضمني بالقدس كعاصمة لاسرائيل.
في مؤتمر صحفي له بالأمس يؤكد على عدة محاور؛ أولها أن الولايات المتحدة أصبحت أقوى من أي وقت مضى؛ وأنه حقق انجازات لم تتحقق من قبل؛ كما أكد على أنه سيواجه البرنامج النووي لإيران بكل حزم وقوة وطلب الدعم من كافة الدول لسياسة بلاده في هذا الملف؛ كما أنه أكد على دعمه للأكراد وأنه سيعمل على مساعدتهم خلال الفترة المقبلة؛ كما أكد على أن مشكلة كوريا الشمالية في سبيلها إلى الحل ولم يحدد لذلك وقتًا زمنيًا وأن ذلك انجاز كبير حيث لم يستطع أحد من أسلافه تحقيق هذه النتيجة والتي هي توقف كوريا الشمالية عن مباشرة نشاطها النووي؛ كما رفض الاستمرار في السياسة التجارية الحالية مع الصين والتي يرى أنها تحقق مصلحة الصين على حساب أمريكا؛ كما أنه يرفض أي مواجهة في سوريا ضد الإرهابيين ينتج عنها خسائر في أرواح المدنيين، وأكد على أنه لا يقبل بالسياسات الغير عادلة في علاقته مع كندا وحذر الأوربيين من مغبة الاستمرار في التعاون مع إيران؛ وأكد على أنه ضد الاشتراكية تمامًا ولا يقبلها.
كل ما سبق أمر يشير إلى أن المرحلة الحالية لا علاقة لها بالنظام الدولي؛ وأنه لا يوجد قانون دولي سوى ما تراه أمريكا ممثلة في رئيسها وأن المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لم تعد سوى مجرد أداة في يد الرئيس الأمريكي الحالي يوجهها كيفما شاء وأنه لم تعد للاتفاقيات ولا المعاهدات الدولية القوة الملزمة وأن الأمر كله بيد الرئيس الأمريكي وهذا أمر سيؤدي إلى كوارث مستقبلية.