فى مقهى سيدي جابر كل شئ رخيص طرقعة النرد، كركرة الشيشة، سُحْب الدخان، صوت القهوجي ايوة المظبوط معايا اهوه.
ب ثلاث جنيهات ونصف يمكنك أن تجلس وتأتي إليك أخبار الدنيا .. قصص واشاعات ونكت وحكايات، فى ذلك العالم الغريب الذي ينتمي للرجال فقط.
تجد من يجلس فى ركن يقرأ الجرايد وبين اصابعه سيجارة، وينادي على القهوجي ويطلب قهوة ع الريحة, وآخرون منهمكون على مَوائدهم يلعبون الدومينه والطاولة ويتشاجرون ويعلو صوتهم فنسمع كلماتهم، وشجارهم، ونكاتهم، وحكايتهم.
يجلس بينهم واحد أقرع بيقولو عليه كريم اوي، دا حتى من كتر كرمه ساب شعره للزمن.
وأم كلثوم تدندن ف الراديو " هو صحيح الهوا غلاب" ليرد أحدهم بصوت متحمس عالي جهور "ماااعرفش اانا"، الله عليكي يا ست قولي كمان.
ليلتفت إليه كل الحاضرين بعد أن حالفه الحظ وسقط نرده على الدُشَّ..
ولكني متأكد انه يتباهي أمام الجماهير بأنه أوشك على الفوز.
وآخرون لا يعرف أحدا منهم الأخر.. يلتقون فقط على رقعة الشطرنج ليلهو كلا منهم ويغرق ف عالمه الخاص ممثلا بأنه مستغرق ف تفكير النقلة القادمة.
وفي الناحية الأخرى تجد جماعة يتحدثون ف السياسة وكرة القدم وعن بطولاتهم الخارقة ليلة الخميس من كل أسبوع، وحكايات وهمية عن الجنس وكلا منهم بجانبه شيشة وينفث الدخان بتباهي وفخر.
وف التلفاز المباراة التي تقام ف السنغال، والشجار على أشده هنا ليصل إلي شتائم ومد الأيادي.. مساكين هؤلاء القوم مشجعون كرة القدم المتعصبون، لا يعرف أحدا منهم انه اذا حاول التقرب من بوابة النادي الذي يشجعه سيطَرِّد كالكلب.
وآذان العشاء يرفع بتوقيت القاهرة، وف ركن ما يجلس المعلم ابن صاحب المقهى على مكتب خشب مشغولا ف مراجعة المراكي وحسابات الدٌرج وفوق رأسه على الحائط صورة الحاج "طلبة عبد الحميد رضوان" المالك،
وبجانبها صورة أخرى للحرم المكي.
وعم حنفي الرجل الذي يقف خلف النصبه "الجندي المجهول" الذي يصنع المشاريب بسرعة البرق وكأن الله وهبه بدل اليد أربعة.
مناديل يااابيه مناديل يا أستاذ... روح يابني الله يسترك
وفجأة يتحول المقهى إلي قطار الصعيد يباع فيه كل شئ يخطر على ذهنك.
ومن حين لآخر تسمع صوت "كنكة " القهوجي وهو يترنح ذاهبا وعائدا ويحمل بين يديه طاولة وطقطوقة وشيشة يتحدث لغة غير مفهومة للعامة
هاااات زياااادة بناااااااانييي... مع ٢ سادة مغلية... وواحد زردة وصاية.. ايوة المظبوط معايا اهوه.
والشيخ عبد الهادي الكفيف الذي ينهي صلاة العشاء فى عجلة ويأتي مستندا على عصاه العوجه القديمة ومعه الحاج زكي الخردواتي ويبدأو ف لعب الطاولة،
وكالعادة يلقى الحاج زكي الزهر بعصبيه بعد خسارة أول عشرة وهو يقول
"أنا نفسي بس أفهم انت ازاي أعمي يا شيخ عبهادي وحافظ الزهر والقواشيط ياخويا زي الجن"
ويغرقوا ف موجة من الضحك...
ويلقى الشيخ عبد الهادي زهره ويسأل :
كام دي ياض يا "كنكة" ؟
ليرد عليه قائلا:
"شيش جوهار".