بالتأكيد الكثير منا قرءوا أو سمعوا عن دون كيخوتى دي لامانتشا
أو دون كيشوت كما اعتدنا نحن على تسميته
دون كيخوتى هو بطل رواية شهيرة للمؤلف الإسباني ميغيل دي سرفانتس
ما يهمني في الأمر- فلسنا بصدد مقال نقد أدبى على الإطلاق-
أن دون كيخوتى هذا كان رجلا هزيلا أغرم بقصص الفرسان و أراد أن يصبح أحدهم
و لكنه عجز عن تنفيذ هذا في عالم الواقع.
و بدلا من أن يستمر في المحاولة و بذل الجهد اكتفى بتمثيل هذا الدور في خياله الذى تحول مع الوقت إلى واقع كاذب يعيش بداخله.
فصنع تماثيل خشبية لفرسان أشرار ثم شرع يحاربهم و كذلك بدأ في محاربة طواحين الهواء متصورا أنها جيوش الأعداء
و هكذا أضاع دون كيخوتى طاقته و عمره و حياته كلها فيما لا يفيد بل و أصبح في عيون أهل قريته مجنونا.
هنا تنهى قصة دون كيخوتى و لكن يبدأ السؤال .....
أليس هذا حالنا نحن كعرب ؟
ظللنا لأعوام و أعوام نحلم بأن نكون فرسانا كأجدادنا فنهزم أعداءنا و نخضعهم و نشتت شملهم و... و..
و لكننا فشلنا...
فشلنا لخوفنا و ضعفنا و تفرقنا و تخاذلنا.
فشلنا... فلجأنا لنفس الحيلة:
أن نمثل دور البطل على أعداء وهمية و نوجه سيوفنا للاتجاه الخاطئ
فأصبح المصري يثبت قوته على الفلسطيني..
و السوري على اللبناني..
وقامت العراق باحتلال الكويت..
و المشاكل بين اليمن و السعودية لا تنتهي (مؤخرا تقسمت الأولى لدويلات ربما تنهى مشاكلها مع السعودية تحت وطأة مشاكل أكبر)..
و ما حدث بين الجزائر و مصر لا يخفى على أحد..
هذا طبعا بالإضافة لمهزلة فتح و حماس..
و أخيرا قطر التي تذكى النيران بين الجميع.
للأسف هذا هو واقعنا المخزي الأليم.. لذا السنا مثل دون كيشوت؟
بل ربما حالنا أسوأ منه.
فدون كيشوت أضاع مجهوده فيما لا ينفع و لا يضر.
أما نحن فإننا نبذل أقصى جهدنا فيما يضرنا و يزيد من تفرقنا و ضعفنا
و يسيء من موقفنا أمام الرأي العالمي كله.
فكما أصبح دون كيشوت مجنونا أمام أهل قريته
وصمنا نحن بما هو أسوأ أمام العالم كله..
باننا إرهابيون.
و كيف لا ؟
و نحن لا نكف عن التشاجر و التشاحن..
و لا ننس الديكتاتورية التي ترفل فيها كل الدول العربية تقريبا.
و المجازر التي ترتكب في بعضها ضد أعداء النظام.
هذا غير أن بعضها يجرى بخطى حثيثة في اتجاه الحرب الأهلية
كل هذا بينما من بعيد.....بعيد جدا....و بعيون صقر راقبا كل هذا بابتسامة نصر متشفية ..يقف عدونا الرئيسي.....إسرائيل
تقف لتتفرج و تتشفى.
و في بعض الأحيان تتدخل لتسكب الزيت على النيران المشتعلة.
أتذكر إحدى المقالات المترجمة من العبرية التي قرأتها منذ زمن و لكن لم أجرؤ على نسيانها أبدا
الكاتب كان - ببساطة شديدة و جرأة يحسد عليها – يحذر القيادة الإسرائيلية من أن تترك للعرب فرصة تكوين أي كيانات موحده مهما صغرت. هكذا بكل صفاقة و كأنما الأمر بأيديهم هم.
هكذا يفكرون و يخططون و من هنا كان نفخهم في أي شرارة تنشأ بيننا نحن العرب و المسلمين لتأكل معها اتحادنا و تلهينا عن التقدم.
أليس غريبا أن نكون أمة تتفق في كل الأساسيات الدين...التاريخ...العادات. التقاليد....الانتصارات و الانكسارات المصالح. الطموحات... الأعداء (و ضع تحتها الف خط).
إننا نتفق تقريبا في كل شيء. ... ديننا و احد و تاريخنا واحد .. و حتى مشاعرنا واحده
من منا لا يشعر أنه هزم في 1948؟
من منا لا يشعر أنه محتل في العراق أو منتهك في فلسطين؟
من منا لا يحزن على 67 ولا يفرح ب 73؟
من منا لا يطمح في الوحدة العربية؟
من منا لا يأمل في مستقبل أفضل؟
من منا لا يعتبر إسرائيل عدوه الأول؟
من منا لم يحلم بصلاح الدين؟
بل إننا نتفق حتى في الأمور البسيطة.
- من منا لم يرتجف و رأفت الهجان يقول "بلدنا حلوه و تستحق"؟
- من منا لم يبكى و هو يسمع أوبريت الحلم العربي؟
- من منا لم يحارب بكيانه مع أدهم صبري؟
من و من و من ...
إننا نتفق في كل شيء ولا نختلف إلا في أقل القليل و رغم هذا نعجز حتى أن نجلس معا لنناقش خلافتنا.
فتأتى قممنا العربية غالبا مفتقدة لواحد أو أكثر من القادة بسبب مشكلة لدولته مع الدولة المضيفة
أو لأن رئيسها أو ملكها أو أميرها لم يعامله في يوم ما بالشكل اللائق ؟
أو ربما حتى لا يتواجد مع قائد ما في نفس المكان لأن بين دولتيهم مشاكل عدة..
فليجيبني أحدكم بالله عليكم..
كيف تتصالح و تتفق و تتوحد مجموعة من الناس تفشل حتى عن الاجتماع أو التواجد في مكان واحد؟
و في الوقت الذى نضيع نحن وقتنا في التشاحن و الصراعات يقضى عدونا وقته في تعزيز موقفه و تقويته أمام الرأي العام العالمي مروجا إلى أنه الأكثر تحضرا بينما نحن مجموعة من الهمج المتصارعين.
الم يحن بعد الوقت الذى ننحى فيه صراعاتنا جانبا؟
الم يحن الوقت لأن نفهم أننا لن نأخذ منهم يوما شيئا إلا حين يخشون سطوتنا.
الن يكف كل منا عن التفاخر بما لديه و الاستهزاء بما يفقده الاّخر بينما السبيل الوحيد هو أن نتكامل.
أتمنى من كل قلبي أن نتوقف عن دور البطولة في رواية دون كيشوت و نبحث لنا عن بطولة أخرى أكثر جدية و إيجابية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ " .